هنا يقول الله سبحانه وتعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}،{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ} هكذا من دون مواقف ومسئوليات تكشف حقيقتكم فيتضح من هو فعلاً مؤمن وصادق مع الله سبحانه وتعالى، ويستجيب لله سبحانه وتعالى ممن هو ضعيف الإيمان، ومتردد في صدق وعود الله سبحانه وتعالى.
{ثُمَّ أَنَزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وهذا من أهم مظاهر التأييد الإلهي، من أهم عوامل النصر ومن أهم مظاهر التأييد الإلهي السكينة السكينة، الله يؤيد عباده المؤمنين بالسكينة وهي تأييد كبير تأييد كبير، فما هي السكينة؟ السكينة هي الرحمة التي تجلب الاطمئنان والهدوء والراحة النفسية إلى القلب، وتذهب حالة الفزع والقلق والاضطراب والارتباك من النفوس والقلوب.
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} يعني: أذكروا أذكروا يوم حنين {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} حنين وادي، وادي بين مكة والطائف، واتجه فيه جيش المسلمين وهم متجهون لمحاربة هوازن، وكان الكافرين في تلك المرحلة قد تجهزوا في الوادي للهجوم على المسلمين، الجيش الإسلامي تحرك وهو لأول مرة وصل عدده إلى عدد كبير اثنا عشر ألف مقاتل، فالكثير من المسلمين ممن كان لديهم قصور في وعيهم وفهمهم أعجبوا بتلك الكثرة وراهنوا عليها واعتمدوا عليها، إعجابهم بالكثرة واطمئنانهم إليها ورهانهم عليها قلل من اعتمادهم على الله سبحانه وتعالى والتجائهم إليه،
{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ}،{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} هذا تحقق في عصر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) انتصارات كبيرة مع ضعف في الإمكانيات وقلة في العدد لكن كان نصراً من الله؛ لأن الله وعد بالنصر {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}(الحج:40)،{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُم}(محمد:7)، عندما تتحرك الأمة مجاهدة في سبيل الله سبحانه وتعالى ولا تتأثر بأي أشياء أخرى لا ولاءات ولا ارتباطات مادية أو أي أشياء أخرى فتتحرك في سبيل الله واثقة بالله معتمدة عليه فالله ينصر وهو خير الناصرين، وهو المقتدر الغالب القاهر العزيز.
{وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} قد يكون بالنسبة للبعض تباعدهم عن الجهاد في سبيل الله نتيجة ما هم عليه من فسق، يعني: خروج خروج عن أمر الله وتجاوز لأمر الله أنهم قد خذلوا قد خذلوا. البعض ممن قد ابتعد بعد شديد عن مسألة الجهاد في سبيل الله قد أصبح يعيش في واقعه الخذلان، مسلوب الهداية، مسلوب التوفيق، سلبه الله التوفيق وسلبه الهداية، فلذلك يكره الجهاد في سبيل الله، وتعلقه بالأشياء الأخرى فوق الله وفوق رسول الله وفوق الجهاد في سبيل الله فهو يعيش في واقعه الخذلان، قد خذله الله وسلبه التوفيق وسلبه الهداية والعياذ بالله.
